الجمعة، 3 مايو 2024

على كراسي الانتظار (مجموعة قصصية) سكينة علوي

آخر إصدار للكاتبة سكينة علوي بعنوان: على كراسي الانتظار تعرض المجموعة القصصية على كراسي الانتظار جملة من التجارب الحياتية والإنسانية لأشخاص كان الانتظار هو كل ما استطاعوا فعله، حيث كانت الكراسي هي ذلك المكان الصغير الذي جعلهم يفكرون في أشياء كدرت حياتهم. حيث حاولت الشخصيات في القصص أن تتشبث بالأمل رغم الألم، وبالصبر رغم الهجر، وبالتضحية رغم قلة الحيلة. إنها رحلة الحياة التي كانوا يحلمون أن تكون شيقة، إلا أنها كانت شقية أُكثر. كما أن المجموعة القصصية تعرض جملة من المواضيع الحياتية التي يعيشها الرجال والنساء على حد سواء في المجتمع، وتعكس التضحيات التي يقدمها الشخص من أجل الآخرين. تتنوع الأحداث والشخصيات وتقدم كل شخصية نظرتها للحياة وطريقة تفكيرها وعيشها، وكيفية حلها للمشكلات والعقبات التي تعترضها، وبالتالي فهي تسوق جملة من القصص التي تكتسي طابع الواقعية، ويمكن للقارئ أن يجد نفسه ضمن تلك الشخصيات والأحداث. إن اختلاف الأزمنة وتنوعها، يجعل القارئ قادرا على السفر عبر الزمن واسترجاع أحداث حقيقية وواقعية عاشتها فئة معينة داخل نطاق محدد، وكذلك التعرف على أسرار بعض المهن ونفسيات أصحابها، وطرق عيشهم كذلك.

الأربعاء، 31 مايو 2023

القليل من الحب لا يقتل، سكينة علوي

 

المجموعة القصصية القليل من الحب لا يقتل 


صدر لي حديثا مجموعتي القصصية الأولى بعنوان: القليل من الحب لا يقتل، عن مكتبة السلام الجديدة، الكتاب سيكون مشاركا بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط في دورته الثامنة والعشرين. 

قراءة ماتعة 

❤️

الاثنين، 15 مارس 2021

جربوا فقط

 





في صباحاتكم المتكررة، جربوا أن ترسلوا رسالة لمن تحبون. لا يهم طولها أو عباراتها، المهم أن تبعثوها بكل حب. رسالة تذكرهم بأنكم بدأتم يومكم بذكراهم، وأنكم تفكرون بهم رغم بعد المسافة بينكم، وأن الحياة أعطتكم فرصة ثانية للسؤال عنهم، كما أن اليوم مهما طال فسيظلون برفقتكم مستوطنين في مكان دافئ بالقلب، مكان لا تصله رياح الإهمال ولا كدر المسافات.

في مساءاتكم الطويلة، جربوا أن تنشروا مقطعا صوتيا لفيروز ولعبد الحليم ووردة وجنات وسعد الصغير و جدوان وشيئا من إبداعات حجيب على صفحات مواقعكم الاجتماعية. متناسين بذلك صخب السياسة ونتائج الاختبارات وتقارير العمل المتراكمة التي لن ينظر إليها المسؤولون على محمل الجد، فأنتم تقومون بها كنوع من العقاب المغلف بزي  واجب المهنة.

في جولاتكم القصيرة عبر أزقة المدينة، جربوا أن تمسكوا بأيدي بعضكم البعض، وأن تعدلوا من اعوجاج الملابس وأنتم تقطعون الشارع المكتظ بالغرباء الذين يرمقونكم دون هدف خاص. لا تنسوا أن تبتسموا لبعضكم بدون سبب، فالبسمة المفاجئة كهبوب نسيم في وقت القيظ، حلوة بديعة.

في أحاديثكم المطولة مع الأصدقاء، جربوا أن تكونوا صادقين في اختياركم لمشروباتكم، فلا يجوز أن تختلط طهارة القهوة بدنس افتراءاتكم، وخوضكم في أعراض الناس، وما كان يجب عليهم فعله؛ فأنتم لستم قضاة لتحكموا على أحلامهم و آلامهم، فلا أحد منا سليم القلب بما يكفي ليحكم على أحد. فقط اتركوهم فيما هم فيه يتخبطون.

في أوقات حزنكم الشديدة، جربوا أن تأخذوا من تحبون في نزهة، واملأوا أفواهكم بالفواكه الجافة واللحم المشوي و كأس شاي معد على الحطب. بدل ملئه بالسباب والشكوى. غيروا أماكن حزنكم، ألقوا همومكم خارجا واتركوها هناك تحت ظل شجرة ما، أو بين أوراق مكدسة قابلة للحرق كي لا تعود معكم من جديد.

في علاقاتكم العاطفية، جربوا أن تشتروا أزهارا وأنتم عازمون على اللقاء، ولا تبخلوا في صنع المفاجآة، فالقلب يرفرف بها فرحا. ولا تكونوا عقلانيين جدا، فالملل أشرس الأعداء. اتركوا هامشا للجنون والمجون. لا تنسوا أن تغنوا بأصواتكم التي لا تصلح للغناء، وأن تقولوا نكاتا لا تستدعي الضحك. ليس عيبا أن تتهادوا الأوقات، فللوقت قيمة أكثر من تلك الأشياء الكثيرة التي تملأ المحلات.

في اتصالاتكم الهاتفية، جربوا أن تهاتفوا أشخاصا لتسألوا عن حالهم،لا أن تسألوا عن حوائجكم، فالدنيا تفيض بأولئك الذين لا يمكلون أشخاصا حقيين يسألون عن حالهم؛ فكونوا أنتم أنيسهم، من يدرِ؟ قد تتغير الأقدار باتصالاتكم الخالية من الانتهازية والنفعية.

في أوقات فراغكم، جربوا أن تفسحوا مجالا لأفراد أسركم الذين حضرتموهم من على جميع مواقع التواصل الاجتماعي الخاص بكم، فمن لا يستطيع أن يتواصل مع القريبين لن يكون قادرا على ذلك مع البعيدين. امنحوهم فرصة عدم التدخل في حياتكم حتى ولو عرفوا ما أنتم فاعلون بها.

في  ساعات عملكم الطويلة، التي ماعدتم تطيقونها، جربوا أن تفكروا في أولئك الذين يكافحون من أجل الوصول إلى ما أنتم عليه وهم عاجزون بشتى الطرق عن ذلك، وفي أولئك الذين بدأوا المسار معكم ولم يستطيعوا أن يكملوا. لا تتراجعوا، إما أن تتقدموا للأمام أو تبقوا فيما أنتم فيه، لا مجال للرجوع القهقرى.لا تكثروا الشكوى، مارسوا اليوغا بدلا من ذلك.

في صراعاتكم المستميتة، جربوا أن ترأفوا، ألا تقسوا كثيرا، ألا تتجبروا. كونوا حجارة تتفتق منها الأنهار. كونوا سيلا يحيي الأرض بعد مواتها. القليل من العطف لا يضر، والقليل من الرحمة لن تنقص منكم شيئا، والانتصار الحقيقي يكمن في الصفح عند المقدرة.

في أمانيكم وآمالكم، جربوا أن تتمنوا الخير لأولئك الذين يحيطون بكم. ادعوا من أجلهم أيضا، فربما تنالون من حظهم نصيبا. لا داعي لأن تخربوا صورهم الجميلة التي يكدون من أجل بنائها، فالورد لا يحارب الورد، فكلاهما يترعرعان في تربة واحدة.

في صلواتكم الزكية، جربوا أن تدعوا من أجلي، من أجلي أنا فقط، وكونوا كرماء في دعائكم. لا يهم ما تطلبونه من أجلي، المهم أن تذكروني في حياتي قبل مماتي. فما فائدة التذكر والتراب يواريني، ادعوا من أجلي وأنا مازلت أتشبت بهذه الحياة...

 


السبت، 31 أكتوبر 2020

هل أنتم أحباء أم غرباء؟

 



إلى أي حد يمكنكم أن تستمتعوا وأنتم ترون فيلما تدور أحداثه حول قصة حب مليئة بالأحداث الموجعة وتختتم بنهاية جميلة، يعانق فيها الحبيبان المنتصران بعضها البعض، أو قد يكون الفيلم جريئا ويجعلهما وسط أكوام من الزهور والكراسي المتصافة، ومجموعة من الحاضرين، وكؤوس ترفع احتفالا بالحبيبين! هل تستمتعون فعلا بالنهاية السعيدة؟ أم أنكم استمتعتم أكثر بالشقاء والعقد المتكتلة التي كنتم ترونها بدون حل بوصفكم متفرجين؟

أين تكمن المتعة فعلا؟ أهي في اللحظات السعيدة؟ عندما يبوح طرف ما بمشاعره المتراكمة منذ فترة من الزمن، أو عندما تتشابك الأيادي لأول مرة، متناسين طبعا هل كان هذا الحدث عفويا أو عن سبق الإصرار- وصدقوني لا عفوية في أمور كتلك –أو لربما في الحضن الأول إبان غروب جميل مكتنز الألوان، أو ربما تلاقي الأنفاس تحت مظلة واحدة والأمطار تترصد المارين؟ أم في أول مشكل يقع فيه الحبيبان؟ خيانة، كذب، تراخي، انشغال، سوء ترتيب كلمات، سوء فهم ....  تتعد الأسباب والمسببات والنتيجة واحدة، إننا عندما نجلس في مقهى مطل على شارع رئيسي أول ما يلفت انتباهنا هو تشابك أيدي المحبين ونظراتهم المتطايرة بينهم، الملابس الأنيقة المختارة بعناية، والروائح الزكية – إلا من حالات ميؤوس منها لا أراها الله لكم – نتساءل دوما ماهي قصة هذا الثنائي؟ كيف تطورت الأمور بينهما وتحولا من غريبين إلى شخصين يعرفان تفاصيل لا ضرورة لها،  كم مرة يأخذ الطرف الأول حماما في اليوم أو في الأسبوع أو حتى في الشهر، وكم من الوقت يأخذه الطرف الثاني للوصول لمقر عمله، سواء أكان هناك ازدحام مروري أو عطلة دينية، إن كان موظفا في القطاع الخاص، تفاصيل لا تغريني شخصيا لمعرفتها بوصفي غريبة، تخيلوا أن تجلسو في مكان ويأتي غريب يحدثك عن عدد المرات التي احتاجها للذهاب لقضاء حاجته، أو من أنه يعاني من القبض أو الإسهال... صورة بشعة أليس كذلك؟ بلى، هي كذلك على الأقل بالنسبة لي، فلماذا إذن نقبلها من غريب أدخلناه في رتبة حبيب، ولربما يصير غريبا كما كان في البداية، من خلال هذا المثال البسيط نستطيع أن نجزم بأننا نحاول التحمل في العلاقات وربما أحيانا نكره أنفسنا على أشياء لم نكن لنفعلها لو كنا عزابا دون أي ارتباطات كيفما كان نوعها – ليس هناك أنواع كثيرة لأنها تصب في نفس المصب فلا داعي للإنكار- هناك من يكره نفسه على فعل أمور لم يكن ليفعلها، الجلوس في حديقة عامة، الذهاب لغابة المدينة، الخروج في أوقات مبكرة والعودة في أوقات متأخرة، الذهاب للتسوق من أجل الاستعداد لغداء على الساحل أو في مطعم بفندق يبعد عشرات الكليموترات عن المكان الذي تسميه منزل، اعذروني بأن أذكركم بأن ما أقوله ليس تعميما، هناك حالات خاصة لا ينطبق عليها حديثي، دعونا نعود لموضوعنا.ما الذي يجعل العزاب ينظرون للعشاق كأنهم مغامرة جميلة حرموا منها وأن الحياة والأيام تكالبت عليهم وبوأتهم في مرتبة الغرباء؟ بينما العشاق منهم من يصل إلى مرحلة التذمر من العلاقة ويحاول اختلاق الأعذار لإنهاء هذا الترابط والتشابك والنظرات المتطايرة التي أبهرتنا نحن العزاب، تنتهي علاقتهما ويصيران غرباء كما كانا سلفا، وتبقى لدينا نحن العزاب لعنة تلك الصورة التي شاهدناها صدفة، نحن لا نحب أن نكون عزابا خصوصا في فصل الشتاء، إنه فصل كئيب لا بد من مؤنس يشاركك برود حياتك وأيامك، وحدها مشاكل الحبيب قادرة على إيقاد نيران ملتهبة في صدرك، الحب وحده غير كاف لهذه النيران، المشاكل والصراعات هي وقودها المثالي، وإننا لما نقرر أن نكون في خانة الأحباء فإن ثقل المسؤولية يربكنا ويجعلنا غير قادرين على الاستمرار مع غريب قررنا أن ندخله في أيامنا، وهكذا تبدأ الحلقة من جديد، غرباء يتمنون الارتباط، ومرتبطين يتمنون الانفصال.

دعونا من هذا، ودعوني أسألكم سؤالا مهما:هل تتناولون العشاء في بيوتكم أم أن أمهاتكم نسخة من أمي، الليل حدورة، ديرو كاسكروط ونعسو؟   


الجمعة، 21 أغسطس 2020

في انتظار مارلين مونرو" رواية القفز على الحواجز"

في انتظار مارلين مونرو" رواية القفز على الحواجز"



ولأن الزهور لا تعمر طويلا، كذلك كانت حياة زهرة بين صفحات رواية "في انتظار مارلين مونرو" لصاحبها محمد أمنصور، هذا الكاتب المغربي الأنيق الذي عودنا على شغبه المعرفي، وانقلابه على مختلف التصورات المجتمعية التقليدية. هل كان فعلا الكاتب "محمد أمنصور" مصرا على تصوير المرأة في روايته في رداء الشخصية الرئيس والتي اختار لها اسم " زهرة"  على أن يصور المرأة في كل مواقفها وتلوناتها المجتمعية والفكرية، على أنها كتلة من التناقضات مزينة بتجليات عدة للهروب والتملص من مسؤوليات جمة أثقلت كاهلها؟ أكانت زهرة كزهرة أثقلها الندى  ورياح الأيام العاتية فانكسرت ؟ هل  سار في تفكيره فيما سار إليه الفيلسوف كانط حينما سئل عن رأيه في النساء و أجاب" النساء لا يصلحن لأمور كثيرة  كبرى، فهن لسن مصنوعات للتفكير، بل أكثر اتكالا على الحدس من العقل، وهن كائنات حساسة تهيمن عليها المشاعر" هل كانت مشاعر زهرة أقوى من نضوجها الفكري ووعيها بنفسها وبالقضايا التي تمثلها؟ ربما يمكن ترجيح الإجابة بنعم، المشاعر كانت أقوى من العقل، كيف ذلك؟

في نظري تعتبر الشخصية زهرة في الرواية، هي العنصر المحرك لجل الأحداث التي دارت فيها، بالرغم من أن الكاتب لم يفصح لنا في صفحاته الأولى عن هذه الشخصية، إلا أن لقاءها وحضورها كان مقدرا-القدر إله لا يرحم ولا يترك لك الفرصة للتراجع- كذلك كان لقاء "عصام"  بزهرة مقدرا، القطار فرصة مناسبة تماما لإقحام زهرة وحشرها في حياة عصام المملة، حياة اختارها بنفسه ليبتعد عن تناقضات مجتمعه وتحركاته الفكرية والسياسية، عصام ليس ثوريا أو مناضلا ملحاحا، بل إن أشد شيء كان يكرهه لهو الخروج إلى شوارع البلد من أجل المطالبة بشيء،"لم أتخيل نفسي يوما محشورا وسط سيل عرمرم من الأجساد المكتوية بالشمس  والحناجر الملتهبة بالصراخ" هذا الجانب المفقود في حياته جاءت زهرة لتكمله وهي الناشطة والمناضلة الغيورة على تغيير البلد وتغيير كل أولئك المسؤولين عن ضياعه، حركة عشرين فبراير هي الزي السياسي الذي ألبسه الكاتب "أمنصور" لزهرة، لكن هل كان هذا الرداء على مقاس زهرة؟ ألم يحمل الكاتب الشخصية أكثرر مما تحتمل؟ ألم يكن ظالما، ولعب دور الجلاد في حق هذه المرأة؟

الكاتب حسب رأيي كان قاسيا إلى حد ما، حيث انهال على" زهرة" بكل تلك التناقضات والخنوع الذي لا يليق بها، حيث أنه في بداية الرواية قدمها لنا على أنها تلك المرأة الذكية الجميلة التي تملك قدرا عاليا من الفكر والمعرفة والفن وميولها للمسرح وحلمها في أن تصير ممثلة فوق خشبة المسرح، وأن تطلق العنان لموهبتها تحلق في سماء الفن والفنانين، حتى أنه أشركنا  في عرض مسرحيتها التي اختيرت لها خصيصا- لنكتشف ونحن على مشارف نهاية الرواية أنها كانت فقط بديلا لامرأة كتبت من أجلها – هذه المسرحية كانت كامرأة وظلها أو شخص وانعكاسه في المرأة، زهرة ومارلين مونرو، وجهان مرتبطان في عملة واحدة حيث ربط الكاتب حياة زهرة الفنية وشغفها الفني والمسرحي على وجه الخصوص واندفاعها السياسي والفكري بحياة امراة  اعتبرت بالرغم من نجاحها في التمثيل وأنها من أنجح الفنانات وجعلها كذلك كرمز جنسي عالمي، إلا أنها فشلت في حياتها الشخصية فشلا  ذريعا ولم تستطع أبدا الوصول إلى رضى نفسي بينها وبين نفسها، كذلك كانت زهرة، مشتتة اتخذت قرارات غير صائبة في أوقات غير صائبة، كزواجها من عصام، الذي تم الاتفاق عليه عبر الهاتف هاربة من لعنة مارلين مونرو، إلا أن هذه اللعنة ظلت ترافقها، وحصدت روحها سريعا، حيث قرر الكاتب أن ينهي معاناة زهرة وتشتتها وهروبها بمعاناة أكبر، وهي مرض السرطان الذي أخره -الكاتب- في جسمها ولم يكن رحيما بها ليأخذها للطبيب عله يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه.... كم كان موتها صعبا، حتى ولو على الورق إلا أنني أشفقت على زهرة أيما إشفاق، وقد كان الكاتب قاسيا أيضا على كل الأشياء والأشخاص الذين جمعتهم علاقة بزهرة "الحب الصادق لعصام" هل الحب قاس لهذه الدرجة التي تجعل المحب  كنار تأكل ألسنتها الأخصر واليابس من حياة وذكريات الحبيب؟ إذ حرق حب زهرة للمسرح، حيث تمثل هذا في فشل المسرحية التي انتظرتها زهرة بصبر مفقود، فشل قبل البدء -أي قسوة هذه؟-  إن الكاتب أحيانا يتحول إلى قاتل محترف يغسل دماء ضحاياه بدم بارد ويحسن والتخلص من الدليل بل قد يلقي باللوم على هدف يحدده:" ما حكاية انسحاب زهرة من الدور في مسرحية " في انتظار مارلين مونرو"؟ أنا لم أفهم يوما السبب الحقيقي لتخليها عن دور حلمت به كثيرا، وعندما عرض عليها رفضته؟" سؤال وجه للمكي على لسان عصام، المكي ذاك الرجل الذي كان على علاقة بزهرة، قبل ظهور عصام في الأحداث.... لن أنكر أن الكاتب قد أبدع في إذلال الشريك العاطفي الذي ارتبط اسمه باسم حبيبته زهرة،" هل تتخيل فضيحة أكثر من موت على هذه الشاكلة؟ مباشرة بعد هلاكك ستنشر الصحافة المحلية والوطنية على صفحتها الأولى بالبنط العريض: الفنان المسرحي التجريبي الكبير المكي فارسي في ذمة الله، قتله زكه! اتفو..." المكي المسكين الذي عاش بين الفن والفنانين، وبين خشبات المسرح وأضوائها وموسيقاها، وتلوناتها الإبداعية، ابتلي بدمل  مدمي نال منه وشله عن الحركة لأيام، ليكون المخلص هو الزوج العطوف السي" عصام" الذي هب مسرعا لإنقاذ المكي... ما الذي يدفع أرملا على الركض تجاه رجل مر من حياة زوجته المتوفاة وجاب قارات جسدها، وخبر تفاصيلها وميولاتها وتمايلاتها؟ أي عطاء  عظيم هذا الذي يصدر من رجل مغربي؟ المكي كان ضحية الحب، وضحية قرارات غير صائبة وضحية لخبز الله السائل، وضحية للسانه الذي قال ما لم يكن عليه قوله عندما أسرف في الشرب وهو برفقة زهرة بشقته إبان الحديث عن المرأة التي كتبت من أجلها مسرحية" في انتظار مارلين مونرو".

تسرد لنا الرواية جملة من الأحداث السياسة التي عاشها المغرب من الحركة الوطنية إلى حركة عشرين فبراير، والوضع الأعرج الذي يعيشه المجتمع المغربي من الناحية السياسية، وقد اختار الكاتب  أن يفتتح ويختتم الرواية بتيمة الموت، ابتداء بموت والده"عدت لتوي من دولة الإمارات على إثر مكالمة هاتفية تلقيتها من أختي مريم زوال اليوم تقول إن أبي قد لقي حتفه"، وأخيه مجيد"إلى أن كان ذلك اليوم المشؤوم الذي مات فيه أخي " مرورا بالمصليين في مسجد لالة خناثة بنت بكار بزنقة البرادعين بمكناس"أفاد أهالي الهالكين  وسكان الحي بأن حصيلة شهداء حادث انهيار الصومعة ..." وانتهاء بموت زهرة" المكي زهرة ماتت" ... ولم يكتف بذلك، بل تعداه إلى العمل بالمثل المغربي القائل" النعاس خو الموت" حيث نام عصام في أخر سطر من الرواية "ثم لذت بالبيت.انحشرت في السرير وفي النوم ..." لكن هذا الموت لا يعني بالضرورة النهاية وإنما يمكن أن يكون بداية جديدة، كعنقاء تعيد نفسها من رمادها، ربما موت زهرة ما هو إلا محاولة لبداية جديدة، بداية قصة، وفكر وسياسة وشعب بأكمله من يدري؟.

ما يميز رواية مارلين مونرو من الناحية اللغوية، أنها تحوي عددا مهما من المفردات والعبارات والفقرات بالدارجة المغربية"، جعلني بداية مثارة بهذا الأسلوب الفني الجديد، الذي انتهجه الكاتب، حيث جعل من الثقافة المغربية جزءا حاضرا بقوة من خلال إدراج عباراتنا اليومية والحياتية في قالب أدبي فريد، مما يجعلنا نطرح جملة من التساؤلات، أهمها: ألم يحن الوقت لإعلاء راية الثقافة المغربية المتمثلة في اللهجة المحلية للبلاد؟ ما الذي يمنع المغاربة من إدراج لهجاتهم على تنوعها في أعمالهم الأدبية؟ وأيضا لمن نكتب؟ هل نكتب لأنفسنا أم لأهلنا أم لمجتمعنا أم لمجتمعات أخرى؟ هل نطمح للشهرة الأدبية  على حساب انتمائنا اللغوي والهوياتي؟

أنا عن نفسي، أحبذ أن تضمن الدارجة المغربية من داخل النصوص الأدبية" الي فهم مرحبا والي ما فهمش شغلو هداك"

وهكذا، سأصل إلى نهاية هذا المقال والذي أنا أكيدة من أنه لم يقدم ولو قطرة واحدة من بحر هذه الرواية، التي اعتبرتها رواية القفز على الحواجز، وأن ما تم الحديث عنه أعلاه  يعبر عن آرائي الشخصية المحضة، ولا يحمل الكاتب أية مسؤولية قانونية تجاه الجرائم المرتكبة داخل أسوار هذه الرواية، و السلام.



الخميس، 25 أغسطس 2016

رؤى




كلما اضطرت  للابتسام في وجه أحدهم، كانت تقدم على نتف شعرة من بين الشعيرات المنتشر على ساعديها، كان غريبا بالنسبة لها أن تضطر للابتسام أكثر من مرة في اليوم لأشخاص لم تكن لتستلطفهم ولو بقيت آلاف السنين، والأغرب  أنها مهما حاولت نزع شعيرات ساعدها مرارا في اليوم، إلا أن تلك الشعيرات اللعينة تأبى أن تختفي، رؤى امرأة بلغت عقدها الثالث دون أن تشعر بالخوف من بقائها بدون زوج، كانت أكيدة أن الزواج خلق للغبيات اللائي لا يملكن هدفا في حياتهن،و بالأخص اللائي يملكن سيقانا جميلة وأقداما تستطيع أن تشعر بآلام الكعب العالي، أما هي فكانت ترى أن لها هدفا بعيدا عن الأقدام والسيقان والكعوب العالية،هدفها كان بيع  كل الكتب في ذلك المحل المشبع بالصناديق المستوردة الملأى بالمجلات العالمية الدورية والشهرية و الكتب المترجمة والمكتوبة بلغة ثانية وثالثة ورابعة... رؤى التي اختارت أن تعاقب نفسها على كل مرة ابتسمت فيها نفاقا لشخص لا تحبه بنزع شعيرات ساعديها، اقترنت رؤى بمحلها التجاري الذي اكترته من مال التأمين الذي حصلت عليه من جراء حادث سيارة دهستها وهي تعبر الشارع العام، كانت يومها شاردة الذهن بسبب الانتخابات المحلية، التي  سيشارك فيها خالها اللعين كما تسميه، كانت مدركة أن أكثر شخص خطر على هذه البشرية هو خالها، بل هو أخطر من الشيطان نفسه.

 رؤى اسم اختاره لها صديق الأسرة الغني الذي  يدعم اليوم خالها اللعين في الانتخابات، كانت تكره الازدحام والاشارات الضوئية أكثر مما تكره هذا الرجل الغني ذو الكرش المنتفخة كبطيخ أحمر صيفا، كان كلما جاء لزيارتهم يطبع قبلة شنعاء على خدها ويترك بقايا لعابه فوق مسام بشرتها، كان هذا سبا مقنعا يجعلها تكره اسمها. وبينما هي تسبح في غياهب تفكيرها إذ بسيارة رجل عجوز تحصد قدميها من على الرصيف الذي كان مخصصا للراجلين قبل أن يصبح محجوزا لاستلقاء فتاة في العشرين من عمرها دهستها سيارة عجوز بريطاني الجنسية والنشأة، بعد استفاقتها في المستشفى على إثر عويل والدها، أدركت أنها غير قادرة على تحريك قدميها، "ماهذه اللعنة الشريرة التي حلت بي " قالت ذلك وعيناها تفيضان دمعا، فكرت بصوت عال كيف يمكنها أن تركض للحافلة وهي تقلع تجاه الجامعة بعد أن تأخرت ساعة زمن عن الحصص الصباحية، تساءلت كيف ستنهي سنتها الأخيرة بالجامعة؟، ازداد عويل والدها وأنينه الصاخب على غير عادته، أغمضت عيناها على أمل أن تستفيق من واقع ظنته حلما مزعجا بسبب عشاء متخم بالزيوت والدسم...

-        رؤى ماذا تريدين أن تكوني عليه في المستقبل؟ سألها حبيبها حسام ذو الخمسة والعشرين من عمره

-        أريد أن أكون أنا.

-        هيا بدون فلسفة، إذا قلتي لي أنك تريدين أن تكوني رياضية  لن أستغرب.

-        ولماذا رياضية يا أبو لحية؟

-        أنت سريعة في الركض، ولكن لسانك أسرع من قدميك.

-        في الحقيقة لساني ليس طويلا بقدر وعودك لي بالتقدم لأبي للتحدث في موضوع الزواج.

-        هل تشربين عصيرا أم قهوة؟

-         أريد سُمَّا بطعم الليمون .

رؤى، نعم أنا رؤى ذات الكرسي المتحرك الذي غيرت دواليبه مسار حياتي، رؤى التي تكتب لك اليوم هذه الرسالة المتخمة بالحنين لأشياء لم تقع بعد، أتذكر؟ أتذكر فيلمنا الأول، بسينما النجوم، يوم كانت تمطر؟  أتذكر موضوع الفيلم؟ لا ... ولا حتى عنوانه؟ لا أظن ذلك فأنا أيضا لا أتذكره، نعم لا أتذكر كيف ابتدأ الفيلم بلقطة مضحكة عن رجل وسيم ينتف شعر أنفه داخل حمام قذر نوعا ما، ولا أتذكر أنك يومها قلت لي : الحمد لله أن الروائح لا تصل مع الصوت والصورة، لا أتذكر أنك أمسكت بيدي أول ما أطفأت الأنوار وأغلقت الأبواب، وأنك همست في أذني: رؤى سأقبلك اليوم قبل انتهاء الفيلم سبع مرات ونصف، ولا أتذكر  أني سألتك:

-        لماذا سبع مرات ونصف.؟

-        لأن سبعة عدد مقدس، وأنا في الحقيقة شخص متدين.

-        ولماذا النصف ياشاطر؟

-         لكي لا أشبه قُبَلِي لك بما هو مقدس، أضفت نصفا، لكي لا يغضب الملتحون.

-        مجنون، كن على يقين أنك لن تأخذ مني حتى نصف قبلة.

لا أتذكر أنك قبلتني حينها قبل أن أنهي كلامي، في الحقيقة أنا لا أتذكر كل هذا، أو قل أحاول جاهدة ألا أتذكر، أحاول أن أنسى أنك حسام من تهت معه بجنون تحت أمطار مدينة لا تنصف العزاب بقدر ما تبتسم في وجه المحبين والمتسكعين الباحثين عن قبل على مرامي ضفاف وادي أبي رقراق أو بين رمال وصخور شاطئ العدوتين، الرباط وسلا، حسام اكتب لك اليوم أنا رؤى التي تنبأت لها أن تكون رياضية واعدة لركضها السريع، أنا اليوم مقيدة بين دولابين متحركين، غير قادرة على تغيير طلاء أظافر قدمي، ولا حتى ترطيبهما بعد حمام دافئ، أشتهي الرقص بكعب عال، وأريده أن يكون  حذاء أصفر براق، لماذا أصفر؟ لأني أشتهي أكل البطاطس المقلية على كراسي أبي رقراق برفقتك، نعم ،قلها. قل أن هذه المجنونة اشتاقت لأيامنا معا، وتحن إلى حواراتنا العميقة حول ما الألذ الموز أم التوت، الشاي أم القهوة الخبز أم الرغيف الكعك أم الفستق...كنا نأكل أكثر مما نتحدث، جربنا  الكثير من الأطعمة اللذيذة والسيئة المذاق الغريبة والفظيعة، أتذكر أكلك للحلزون أول مرة؟ يا إلهي لا أستطيع نسيان تعابير وجهك، كطفل يتجرع الدواء خائف وقلق وتكاد الدمعة تترقرق من عينيه، كنت طفلا جميلا وديعا يومها، لن أخفيك أني اشتهيت تقبيلك أمام البائع والمارة، إلا أني أدركت أن القبلة أمام الملأ تكون بدون طعم، ما أجملها وهي بين شفتينا تأخذ وقتا طويلا بعيدا عن الأعين والأصوات  والأضواء،  صدقني الاختلاء بالحبيب إبحار نحو السعادة.

سعادة لم تكتمل بسبب كرسي اختارني ما اخترته، بسبب قدر بحث عني دون أن أسأل عنه، حسام، لا أعرف ما الذي يجلني أصر على الكتابة لك، وعلى تذكيرك بكل هذه الأكوام من الثغثغات، لكني رأيت اليوم في محل بيع الكتب خاصتي شخصا يشبهك إلى درجة لا تصدق، ظننت في البداية أنك أنت، لا تستطيع أن تتخيل  حجم بؤبؤ عيني كم اتسع، وضربات قلبي كم تسارعت، ورعشة يدي كم كانت تتقد، ما كل هذا الجنون الذي حل بي فجأة لرؤية شخص قد يكون أنت وقد لا يكون؟ إنه الحنين يا صديقي، حنين لشيء لم يحصل، حنين بأن نجلس في غرفتنا معا ونحن نشاهد فيلما مخيفا مرعبا عن كائنات خضراء تغزو الأرض وأنا أخبئ وجهي بحضنك، وعن الشخص الذي سيطفئ النور قبل النوم، ومن سيستيقظ أولا للدخول للحمام... أصابني  ذلك الحنين لأخذ حمامنا الصباحي قبل المغادرة للعمل، وحنين لمن سيغفو على ذراع الآخر  أولا مساء بعد يوم متعب؟ أصابتني حمى  من الحنين لمستقبل لن يتحقق، ليس لأني لا أريدك، أو لأنك لا تريدني، لا أبدا يا عزيزي، إنما أنا قد فقدت نفسي وأحلامي وسعادتي بفقداني للإحساس بأطراف قدمي، فلكي أكون في حياتك أحتاج لأقدامي، وهذا أمر قد حسم فيه القدر مسبقا، وجعل بيني وبينك مسافات لست قادرة على قطعها بعجلتي كرسي متحرك.شكرا لوقتك في قراءة هذه الرسالة ، أرجوك بخير مع كامل  الحنين والمحبة ،رؤى.

لم يعد هناك وقت اليوم لشراء ظرف وطابع بريدي لإرسال رسالة، بل حتى لم يعد للشخص مكان واحد ليكون له عنوان تتسارع الرسائل والطرود لصندوقه، ضغطت على زر الإرسال وانطلقت الرسالة بالبريد الإلكتروني. لم تكن رؤى تنتظر ردا من حسام بقدر ما كانت متلهفة لاستقبال طرد من اسبانيا به مجموعة من المؤلفات الجديدة تحت الطلب، الكتب هي مخدرات يصعب التعاطي لها، ولكن يسهل التخلي عنها، هي مثل شتلة صغيرة تحتاج وقتا وعناية وشمسا وهواء لتكبروتنمو ولكي تموت تحتاج فقط لضربة مقص لتنتهي حياتها، كذلك حب الكتب.

 كانت رؤى تؤمن إيمانا شديدا أن المرأة كلما قرأت كلما ارتفعت درجة في الحياة، كيف لا وهي غير قادرة على ارتقاء درج بيتها لولى مساعدة والدها، بعد يومين من ترتيب المؤلفات والروايات الجديدة بالرفوف وتدوين أسماء وعناوين الكتب بالحاسوب، جاء وقت الاطلاع على البريد الإلكتروني للتأكد من الفواتير المدفوعة إلكترونيا، فتحت بريدها غير متوقعة أنها ستجد رسالة من حسام، بحثت بإطلالة سريعة، لتجد بريدا مبعوثا من طرف مطبعة بريطانية  تريد عقد علاقات تعاون في نشر الكتب وبيعها من طرف محلها الذي صار قبلة لجملة من المثقفين اليوم، أرسلت ردا بالإيجاب، أغلقت حاسوبها وقلبها الذي حاولت أن تعيد له الحياة من خلال العثور على رد لحسام.... لكن الكرسي المتحرك أقوى من الحب.

في نظرها الكتاب أقوى من العجلات....رؤى تبيع الكتب ولا تبيع الابتسامة معها، الكتب هي  الشيء الوحيد الذي ينسيها أنها  غير قادرة على الرقص والركض، وعلى قذف كرة طفل تتحرش بها وهي تمر بزقاق عائدة من الجامعة،رؤى لم تكن يوما ترفض الزواج  ولا حتى الحب، لكن الزواج بالحبيب يقتضي أن تكون لها أقدام تشعر بآلام حذاء بكعب عال.

الثلاثاء، 29 مارس 2016

للحديث بقية ....





أضع رأسي المنهك على وسادة مشبعة بعطر بقي عالقا بياقة قميصي، أتجول بفكري بين كل تلك الأمور الغريبة التي اقترفتها، أحرك مقلتي بعصبية في الظلام، أتقلب يمنة ويسرة، لا نوم يسري إلي، صوت عقارب ساعة يدي تصلني من على الطاولة التي علاها الغبار ولم أجد لها وقتا لترتيبها، أخطط للاستيقاظ صباحا، أضبط منبهي، يشتت الظلام على نفحات ضوء هاتفي، أغتنم الفرصة للنظر في بعض الصور المخزنة على بطاقة الذاكرة، أبتسم بشرود، مسترجعة بعض تفاصيل الصور، أتذكر أشخاصا، وأتوجه للرسائل النصية، لاشيء يغري على القراءة، بضع تهاني لحلول مناسبة ما، تبريكات بأحرف عربية منسوخة، يبعثها أكثر من شخص وعلى نفس الشاكلة، أحيانا لا أتعب نظري بإكمال أحرف الرسالة، لأني على علم مسبق بأنها نسخة عن سابقاتها، رسالة تختلف عن الأخريات: أحس بالاختناق، لاشيء يجري كما أريده، أيعقل أن الرب نسي وجودي لأعاقب بعكس الأماني؟

كانت رسالة من صديقة لي تشتكي أحوالها المتردية، وسوء الطالع الذي يلاحقها، لم يكن علي فعلا فتح هذه الرسالة، فلست في حال جيدة تسمح بإضافة هذا الحمل على كاهلي، وجدت أن الرسالة بدون رد، بدأت أفكر في الجواب الأنسب على الرغم من أني تأخرت لأسبوعين، تراها كلماتي ستجدي الآن أم أنها ستزيدها غرقا في الأحزان وتعيد لها ذكرى على الأغلب قد نسيتها أو تجاوزتها لمحنة أخرى، صرفت النظر عن الرد، استسلمت للظلام في انتظار الصباح، لم أعلم حقا متى غفوت، راودني حلم سيء للغاية دماء وجروح وحيوانات تعج بالبيت،أحاول الركض لكن أطرافي مقيدة بفعل قوة ما، كنت أشعر بالخوف وبطاقة سلبية تطبق على نفسي، حتى النظر كان يصعب علي لم أعرف إلى أين أتجه، أهو الضياع ! انقضى الليل بمشقة الأنفس وأعلن المنبه عن وقت الاستيقاظ أخيرا، ليالي الشتاء برغم طولها إلا أني اجد نفسي عطشة للنوم، وأني أأدي ضريبة الأرق ليلا، أغلقت الصوت المزعج واستدرت للجهة المعاكسة، نظرت للحائط أحاول استرجاع الخطط التي رسمتها ليلا لصرف يومي، قفزت من بين ثنايا الفراش معلنة عن يوم جديد، يوم أعلم أني سأكابد من خلاله وأذوق الأمرين، يبتدئ يومي بالاستعداد للخروج للعمل، ساعة زمنية كافية لتجعلني شخصا آخر من امرأة في الثلاثينيات بشعر متطاير منكوش، ومنامة طفولية اجتمعت بها كل تجاعيد العالم، إلى أنثى  بهندام مرتب ورائحة عطر زكي اختير بعناية...وما أسعدني حين يسألني أحد عن اسم العطر المسكوب على ياقتي وأكمام قميصي ، وعن مكان اقتنائه، ويكأن العطر من صنعي، وجوه الأشخاص الذين يجمعني بهم نفس طريق العمل تتشابه في ملامح العياء والتعب والكدح من أجل لقمة عيش، أتزاحم معهم في الحافلة، أحيانا قليلة أجد مكانا شاغرا للجلوس، يكون في العادة كرسيا يوشك على أن يترك مكانه بسبب شغب المراهقين الذين شفطت المخدرات الرخيصة عقولهم، وأحايين كثيرة لا أجد حتى خمس سنتميرات  لأقف بها دون أن يحتك بي مخبول بمؤخرات النساء أو مراهق متحرش غاب عقله بسبب سيجارة حشيش أخذها قبل الصعود للحافلة، كنت من محبات القراءة، في الماضي كنت آخذ لي مكانا قصيا أنهل فيه من رواية عالمية أو محلية، لكن الآن ليتني أصل إلى عملي دون أن أفقد شيئا من أغراضي بفعل السرقات المتكررة التي يتعرض لها الركاب، أتذكر اليوم الذي كنت عائدة فيه من مدينة الدار البيضاء بعد مرافعة طويلة في المحكمة حول قضية ابتزاز تعرضت لها موكلتي "ج" بسبب صور التقطت لها وهي تأذ حماما فكان الجار المخبول ومتربصا بها مهيئا كل الوسائل لتظهر موكلتي في صور وأيضا شريط إيباحي انتشر على موقع التواصل الاجتماعي كما تنتشر النار بالهشيم... أخذت الحافلة الوحيدة التي تصل إلى بيتي  والتي تحمل الرقم 7 ، والذي صار يمثل أمامي فأل سوء لا أكثر،كانت الساعة تتجاوز الثامنة ليلا ببضع دقائق، مررنا بجانب غابة أشار الفلين، توقفت الحافلة على حين غفلة من ركابها، وعلى غير عهدها إذ ليس المكان بموقف  مخصص للحافلات، سمعت صوت امرأة تولول من هول مفاجأة غير سارة، وأنا القابعة في كرسي خلفي بالحافلة، لم أعرف  ما لذي يجري، اختلجني شعور رهيب بالفزع، فتح الباب الخلفي على وقع تهشم زجاج النوافذ من الجهة اليمنى للحافلة، لم أتذكر حينها هل تلوت بعضا من الآيات المنجيات، لأني فعلا شعرت أن لساني قد أصابه شلل كامل، اقتحم المكان شباب مخمورون، يتمايلون على إيقاعات تمليها عليهم عقولهم لا أكثر، وبينما أنا أتمايل من خوفي شاهدت عيني واحدا منهم كان وجهه محجوبا بقناع لا يظهر إلا عينيه، كانتا مرعبتين كعيني حيوان مفترس جائع اشتم رائحة البشر من على بعد أميال، تمنيت حينها لو تنشق الحافلة وأغوص أرضا، أو حتى أن يصير للكرسي القابع في مكانه أجنحة تحلق بي عاليا... وسط فزع الركاب وصراخ النساء لم يكن للمخمور إلا أن ترك كل الحاضرين لتتوجه نظراته إلى حقيبتي الجلدية الملأى بقضايا عالقة أغلب أصحابها من المظلومين الذين أخذت أراضيهم جورا أو ممن طلقهن أزواجهن وتركوا عبء المصاريف عليهن، أو ممن يدعون تعرضهم لابتزازات مالية وجنسية  أو غيرها من المصائب التي صارت تتخذ لها أشكالا وتلاوين جمة، أحسست فعلا بأني مهددة بسبب هذه الحقيبة اللعينة التي إن رآها شخص لا يملك حسا إجراميا،  سيظن أنها تحوي  ملاين السنتيمات، جاء الصوت مرتعشا متلعثما تعلوه بحة  ":

-         أخرجوا ما بجيوبكم، ومن تجرأ على الصراخ أو محاولة الهرب سيكون جثة هامدة.

انتشر الرجال الستة عبر الحافلة يشهرون سيوفهم في وجه  الركاب، لم يستطع أحد أن ينبس بنت شفة، كنت موقنة أن الرجال سيصلون لي عاجلا  أم آجلا، كانت أطرافي تأبى مطاوعتي، كانت تتحرك بدون انقطاع " يا أ الله يا رب السموات والأرض، يا رحيم ارحمنا، اللهم اجعل من بين أيديهم ومن خلفهم سدا – لم أكن أعرف مدى صحة الآية، قلت حينها النية أبلغ من العمل- ، يا رب فقط نجني من هذه المصيبة ولن أراه مجددا"  قلت هذا مرددة إياه مرارا علها تحميني هذه الكلمات من غضب سكير قد يترك سكينه برقبتي، أردت أن أضحي به بدلا من أن أضحي بنفسي، قلت الحب ليس كل شيء، ربما هي علامة إلهية ظهرت أمامي لتركه يرحل من حياتي، وأنا التي عقدت أحلامي وحياتي القادمة على وجوده، قلت الحب لا يقتل لكن سكينا من سكير طائش تقتل وتجعلني في عداد الذين ترحم عليهم سبع ليال ونصف يوم، و غطاهم النسيان طيلة الحياة الدنيوية، لا أعرف ما الذي جعلني أعدل عن قراري، وأتشبث به أكثر وأتصل به بعد أن نزلت سالمة من الحافلة اللعينة، حمدا لله لم يستطيعوا أن يصلوا إلي لنهب ممتلكاتي، فقد تدخل القدر بهروبهم إبان رؤيتهم لسيارة  نقل الأموات التي كان مصباحها يومض من بعيد، ظهر لهم على أنه تابع لدورية شرطة، يا لها من راحة، أن تنقذك جثة شخص ميت ولا تعرف أهو ذكر أم أنثى، تجعلك صدفة كهذه ترغب بفتح الكفن لتقبيل رأسه والدعاء له بالرحمة، جراء الخدمة التي لم يستطع من هو على قيد الحياة القيام بها.

-         أين أنت؟ أتصل ولا تجيب .... لقد اعترض طريقي  مخمورون وكادوا يسطون على حقيبتي.

كانت رسالة مقتضبة لم أستطع فيها شرح ما وقع بالتفصيل، أصعب شيء هو أن تكون بحاجة لشخص ولا تجده بجانبك وكل الطرق لا تؤدي إليه، لم أستطع تمالك نفسي، أجهشت ببكاء حارق لقلبي، لم أكن أعرف تحديدا، هل أبكي لأني عشت تجربة سيئة على متن الحافلة؟ أم لأني لم أجده وقت ضعفي؟ أم لأني لم أستطع الوفاء بوعدي الذي قطعته أمام الرب في حالة خوف؟ نعم لقد  قررت حينها الابتعاد عنه، وأقسمت بمن يغرب الشمس ويشرقها أن يكون في عداد المنسيين، لكني هربت منه إليه، وعند هروبي لم أجد له أثرا، أين أنت بالله عليك؟ لماذا بحق الجحيم لست معي الآن؟  اللعنة علي وعليك وعلى كل شيء في هذا العالم البائس، كلها شتائم فاض بها قلبي قبل أن تصل للساني.

أحببته بقدر السماء، وكنت مدركة أنه إذا حدث وتعلق قلبي بأحد سأحرم منه بأي شكل من الأشكال، كنت أنتظر شكل النهاية لأن النهاية موقنة لا محالة، قد أختلق عذرا واهيا يجعلني من عدواته اللدودات، أو قد يتكفل القدر بذلك ليلقي بنا على قارعة النسيان أو يقيدنا برباط الألم والفراق، سمعت أن عصير الليمون كفيل بأن يجعلك نشيطا كل اليوم، أشرب كميات كبيرة منه، وأتناول حلويات بنكهة الليمون، وأقرأ مقالات عدة خلال اليوم عن فوائد الليمون، لكن لا نشاط ولا حيوية،وصلت العمل اليوم وأنا في كامل تعبي وسخطي على كل الأشياء الصغيرة التي تظل تطرق جدار رأسي، أحس بأن بدماغي زحمة سير ولا شرطي ولا أضواء ولا إشارات لتنظيمها، كنت أفكر أن أبدأ في التدخين، لكني لم أكن أملك ولاعة، أو ربما أقنعت نفسي بذلك لكي لا أخطو أول خطوة نحو إدمان شيء بعدما كنت مدمنة على حبه وعلى صوته وعلى نفسه  المتقطع وأنا أتحرش به وقت الغروب، وجدت ملفات متراكمة فوق مكتبي الذي يأبى أن يعثر على طريقة لتنظيمه، تماما مثل أفكاري الآن، ما الذي سأفعله لو لم أكن محامية؟ سؤال أطرحه كل يوم على انعكاس صورتي في المرآة وعلى كوب القهوة الصباحي أو المسائي وعلى شاشة الحاسوب قبل أن يعلن عن بدء عمله، كلما رأيت وجهي أو شكلي على انعكاس شيء ما أتساءل، لكني أجيب نفسي بعد إرهاق تفكير، ربما كنت سأختار أن أكون رسامة، أرسم الملامح التي بقيت عالقة في بالي، أرسم لي قصرا من آمال عذبة ، ووطنا من حلوى هلامية، وعساكر من سكاكر...سأرسمه كما يراه قلبي لا كما أرتنيه الأيام، سأرسمه وسيما أنيقا بعطر زهر ليمون زكي الرائحة، سأرسمه شاعرا يتغزل بي عند كل استيقاظ، سأرسمه عداء يعدو نحوي كل وهلة دون كلل، سأرسمه بطلا يطوقني بعضلاته ويلقي علي رداءه الأسود الذي استقاه من زورو بالأفلام الكرتونية، سأرسم كل الأماني الجميلة التي قد تجمعني به، سأرسم سريرنا من ريش سنونو يذكرنا برائحة البحر ونحن نعتكف حبا فوق جبال الفرح بعيدا عن أعين كل الفضوليين،سأرسم كل هذا دون أن أستعمل لونا أسود، يكفيني سواد لحيته الذي يحرض على النهل من مقاطع فيروز الغنائية.

حرضت نفسي على إعادة النظر في القضايا المتراكمة و العالقة بين ملفات محاكم البلاد، والتي علق أصحابها آمالا كبيرة كي يأتي الفرج عل يدي، لكنهم نسوا أني متحايلة أكثر من كوني محامية تطبق القانون بحذافيره، أحيانا أقف بجانب الظلم على حساب المظلوم، أتقاضى أتعابي وأنا في كامل انتشائي بنصري خلال المرافعة، الهزيمة شيء مخز فعلا، كنت ومازلت أحب النصر ولو على حساب غيري، كنت أدرك أني أمتلك جانبا إبليسيا لا يظهر على وجه تميل  ملامحه للطيبة والسذاجة أكثر من الدهاء والمكر، كنت ألبس عباءة الطيبوبة وكنت أحسن لعب الأدوار واستغلال الفرص المتاحة أمامي، لكن كما قيل "سعيد في العمل، تعيس في الحب" وقلبي أنا حمل أتعس حب في كل الدنيا، ربما لهذا أنا أحاول الآن جاهدة التركيز على عملي أكثر من البحث عن حب يملأ جنبات قلبي الشره، لن أتحدث أكثر عن الحب الذي سبب شرخا في قلبي و الذي مازلت أتلقى علاجا للنسيان لمداواته، يكفي الاعتراف بأني فشلت بكسب رهان هذا الحب، ربما لأني اعتبرته قضية عالقة من القضايا المترامية فوق مكتبي،

لم أرد لهذه القصة أن تنتهي، لكن القدر أقوى من قلمي،سيكون للحديث بقية...

على كراسي الانتظار (مجموعة قصصية) سكينة علوي

آخر إصدار للكاتبة سكينة علوي بعنوان: على كراسي الانتظار تعرض المجموعة القصصية على كراسي الانتظار جملة من التجارب الحياتية والإنسانية لأشخا...